[1]سافر إلى جزيرة بطمُس في بحر إيجه. لم تكن هذه جزيرة كاريبيَّة جميلة أو جزيرة في جنوب المحيط الهادئ. إنها جزيرة تُستخدَم كسجن. كانت بطمُس جزيرة جرداء ووحيدة. هناك كان يوحنا التلميذ الحبيب يعيش في المنفى.
كان يوحنا رجل عجوز. لقد خدم الله بأمانة وكان نموذجًا للحياة المُقدَّسة، لقد خدم في الكنيسة في أفسس، واعتنى بأم يسوع الأرملة، وبَشَّر في جميع أنحاء آسيا الصغرى.
في عمر كان يحق له أن يتمتَّع فيه بشرف كونه آخر تلميذ حي ليسوع، تم نفي يوحنا إلى جزيرة بطمُس. إنه وحيد وقد كان من الممكن أن يشعر أنه لم يعد مفيدًا في عمل الله. لكن في صباح أحد أيام الآحاد بعد ستين عامًا تقريبًا من صعود يسوع، كان يوحنا "في الروح في يوم الرب" عندما سمع صوتًا مثل البوق.
عندما التفت يوحنا إلى الصوت، رأى المسيح الذي وهب له حياته. كان شعر يسوع أبيض كالصوف، وعيناه كالنار، وقدميه تلمعان مثل البرونز، وكان صوته كهدير شلال عظيم، كان وجهه يلمع. رأى يوحنا مجد الابن "مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا"[2].
في سفر الرؤيا، نسافر مع يوحنا إلى السماء لنرى اكتمال خطَّة الله. سوف يسكن شعب مُقدَّس إلى الأبد في شركة متواصِلة مع إله قدُّوس.
[1]صلاة لطلب القداسة "أحضرنا يا رب، عندما توقظنا في النهاية إلى بيت وبوَّابة السماء، حتى ندخل من البوَّابة ونسكن في هذا البيت حيث لا تكون هناك ظُلمة، بل نور واحد؛ لا ضوضاء، بل نور واحد؛ لا نهاية ولا بداية، بل أبديَّة واحدة في مسكن مجدك وسيادتك، دهر بلا نهاية." -مُقتبَسة من جون دون
في الدرس الافتتاحي لهذه الدورة، طلبت منك تخيُّل جنَّة عدن في الأيام التي تلت الخلق. كان عالمًا مثاليًا، كانت الزهور والأشجار والفواكه في كل مكان، كان عالمًا بلا خطيَّة وبدون آثارها، لقد كان عالمًا بلا ألم أو دموع أو موت. والأهم من ذلك، كان عالمًا فيه علاقة كاملة بين الله والبشر، لا شيء يفصل الإنسان عن خالقه.
يا للأسف، دمَّرت الخطيَّة هذا العالم الكامل. نما الزوان بين الزهور. أصبحت الحيوانات المُسالمة حيوانات مُفترِسة خطيرة. تحمَّل الإنسان المعاناة والألم والموت. والأهم من ذلك، تضرَّرت العلاقة الكاملة بين الله والإنسان. بسبب الخطيَّة، طُرِد الإنسان من جنَّة عدن ومُنِع من الوصول إلى شجرة الحياة. يبدو أن الشيطان قد أحبط قصد الله لشعبه.
الوعد بعالم مثالي
لكن لم تكن هذه هي النهاية. يعلن الله في الكتاب المُقدَّس خطَّته لتشكيل شعبه مثله. الله يرغب في خلق شعب مُقدَّس. لقد وعد أنبياء العهد القديم بأن الله سوف يجعل شعبه يومًا ما مُقدَّسًا ويعيدهم إلى مكان مُقدَّس. مرارًا وتكرارًا، يشير يوحنا الرائي إلى تحقيق هذه الوعود.
رأى حزقيال يومًا يسكن فيه الله بين شعبه المُقدَّس.
سوف يتحقَّق قصد الله النهائي عندما يسكن بين شعبه القدِّيسين. مثل حزقيال، توقَّع زكريا يومًا يتحقَّق فيه قصد الله لشعبه. فقد وعد الله: "وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ."[2]
يصوِّر زكريا 3 خطة الله لشعبه. في رؤيا زكريا، كان رئيس الكهنة يرتدي ثيابًا قذرة تُمثِّل نجاسة إسرائيل. يوما ما سيطهِّر الله شعبه. ملابس إسرائيل القذرة سيحِل محلَّها الكِتَّان النقي.
سيَتِم نقش أجراس الخيول بالكلمات المكتوبة على عمامة رئيس الكهنة.[5]ستكون الأواني العاديَّة مُقدَّسة مثل "الأواني المُقدَّسة أمام المذبح". ستكون أورشليم كما أرادها الله، ستكون المدينة كلَّها مسكن الله.
سيحقِّق الله قصده؛ سيكون له شعب مُقدَّس يعيش في مدينة مُقدَّسة. تحقَّقت رؤية زكريا في رؤيا ٢١ و٢٢. وسيعيش شعب الله في محضره. "يسكن معهم ويكونون له شعبًا"[6].
استعادة العالم المثالي
يبدأ الكتاب المُقدَّس بوصف عالم كامل خسرناه بسبب السقوط. وينتهي بوصف عالم كامل ينتظر أولئك الذين يسمحون لله أن يحقِّق خطَّته في حياتهم. المدينة المُقدَّسة مُهيَّأة لشعب الله المُقدَّس.
مثل جنَّة عدن، المدينة المُقدَّسة هي عالم مثالي به الزهور والأشجار والفواكه اللذيذة في كل مكان. كل شيء جميل:
بسبب الخطيَّة، طُرِد الإنسان من جنَّة عدن وابتعد عن شجرة الحياة. في سفر الرؤيا، أصبحت شجرة الحياة متاحة للبشريَّة مرة أخرى.
سيكون هذا عالمًا بلا خطية. أحيانًا ما يخاف القراء من الأصحاحات الوسطى من سفر الرؤيا. تصف هذه الأصحاحات الأحكام التي ستقع على الأرض. يرغب العديد من القراء في الانتقال إلى الأصحاحات الأخيرة التي تعطي صورة عن جمال السماء. ولكن، لا يمكننا تجاهل منتصف السفر. لكي يعيش الشعب المقدس في شركة غير منقطعة مع إله قدوس، يجب كسر قوة الخطية.
يُظهِر سفر الرؤيا كراهية الشيطان لشعب الله. رأى يوحنا "وَحْشًا طَالِعًا مِنَ الْبَحْرِ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ"[8]. وقد سمح للوحش "أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ"[9]. لبعض الوقت، يبدو أن الشر يهزم شعب الله القدِّيسين. ولكن، ستتِم هزيمة الوحش في النهاية.[10]سينتصِر شعب الله في النهاية. قصد الله سوف يتحقَّق.
عبر التاريخ، وثق شعب الله أن الله القدُّوس سيفعل الصواب. أعطت قداسة الله لصاحب المزمور الثقة عندما صرخ طالبًا العدل: "لأَنَّك أَنْتَ لَسْتَ إِلهًا يُسَرُّ بِالشَّرِّ، لاَ يُسَاكِنُكَ الشِّرِّيرُ"[11]. في سفر الرؤيا، سمع يوحنا صرخات الشهداء: "حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟"[12]
تؤكِّد قداسة الله لشعب الله أن العدل سوف يسود. كتب يوحنا إلى المسيحيين الذين يعانون من اضطهاد روما. لقد وعد بأن قاضي الأرض "القدُّوس والحقيقي" سيحقِّق في يوم من الأيام العدالة لشعبه. يدعو سفر الرؤيا شعب الله إلى البقاء أمناء، عالمين أن الله القُّدوس سينتقِم لشعبه المُقدَّس. يتطلَّع سفر الرؤيا إلى الوقت الذي يُهزَم فيه الشيطان، ويعيش شعب الله المُقدَّس في سلام.
السماء مدينة مُقدَّسة؛ إنها مدينة بلا خطيَّة أو آثار الخطيَّة؛ إنها مدينة بلا ألم ولا دموع ولا معاناة ولا موت. "وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ"[13].
لكن هناك شيء أكثر روعة، كان أفضل جزء في جنَّة عدن هو الشركة الكاملة بين الله والإنسان. سار آدم وحواء في الجنة مع الله، لقد تحدَّثوا معه وجهًا لوجه، لم يكن هناك أي شيء يفصل بين الله والإنسان. وفي السماء، سنعيش في شَرِكة كاملة مع الله؛ لا شيء سيفصل الشعب المُقدَّس عن الله القدُّوس.
يصف يوحنا السماء بأنها مكان بلا خوف أو ألم أو موت. كل ما كان يُسبِّب الخوف في العالم القديم (أطراف البحر المجهولة، وخطر الليل، والتهديد بالمرض) سوف يزول. هذا السلام الأبدي سوف يقوم على حضور الله.
لطالما رغَب القدِّيسون في رؤية الله. طلب موسى أن يرى الله لكنه لم يستطع أن ينظر إلى وجهه.[16]وصلى داود: "مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟"[17]لقد وعد يسوع أن الأنقياء القلب "يُعَايِنُونَ اللهَ"[18]. يتحقَّق هذا الوعد في سفر الرؤيا. "وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ"[19].
تحدَّث دالاس ويلارد عن طفل توفيَت والدته. ذات ليلة، طلب الصبي أن ينام في غرفة نوم والده، لأنه كان يشعر بالخوف والوحدة. في منتصف الليل استيقظ الصبي وسأل والده: "هل وجهك مُتوجِّه نحوي؟" أجاب الأب: "نعم، وجهي مُتَّجِه نحوك". كان هذا كافيًا، فنام الطفل بسلام. في السماء، سيَرى شعب مُقدَّس وجه الله. وجهه سيتَّجِه نحونا إلى الأبد. سننعم بالسلام.
سوف تتحقَّق خطَّة الله! ستَتِم استعادة جنَّة عدن. سيعيش شعب بقلوب مُقدَّسة وأيادٍ مُقدَّسة إلى الأبد مع إله قدُّوس؛ هذه هي خطة الله لشعبه.
رأى يوحنا رؤية عن خطَّة الله لشعبه. إنها رؤية يرى فيها شعبًا مُقدَّسًا يعيش في مدينة مُقدَّسة. ثلاث مرات في سفر الرؤيا، يصف يوحنا مكان مسكننا الأبدي بأنه "المدينة المقدسة"[1]. هذا هو بيت الله القدُّوس والملائكة القدِّيسين والشعب المُقدَّس، هذه المدينة الجميلة هي مكان القداسة الكاملة. فقط الشعب المُقدَّس هو الذي يمكنه أن يعيش هناك.
يقدِّم رؤيا ٢١ صورة جميلة عن السماء، ولكنه يتضمَّن أيضًا هذا التحذير:
السماء مدينة مُقدَّسة. لن يسمح الله للخطيَّة أن تدمِّر نقاء تلك المدينة. قال الوعَّاظ القدامى: "السماء مكان مُقدَّس مهيَّأ لشعب مُقدَّس". فقط الشعب المُقدَّس هو الذي سيستمتِع بالعيش في هذه المدينة المُقدَّسة.
لن يستمتع الشخص المُتمركِز حول الذات بمدينة يكون فيها حمل الله هو عامل الجذب الرئيسي. لن يكون الشخص الذي يعيش من أجل المُتعة الخاطئة سعيدًا في مدينة يكون كل شيء فيها طاهرًا. الشخص الذي لا يحب الله سيصاب بالملل في مدينة تكون عبادة الله فيها إلى الأبد. المدينة المُقدَّسة مُصمَّمة لشعب مُقدَّس. لأن شعب الله مُقدَّس وطاهر، فسوف يعيشون معه إلى الأبد في المدينة.
يتحقَّق وعد حزقيال 40-48 في أورشليم الجديدة. ومع ذلك، سرعان ما يرى القارئ فرقًا بين رؤية حزقيال وتحقيقها في سفر الرؤيا. في رؤية حزقيال، يقف الهيكل في وسط المدينة. أما في أورشليم الجديدة، فلا يوجد "هَيْكَلاً، لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، هُوَ وَالْخَرُوفُ هَيْكَلُهَا"[3]. الله نفسه هو الهيكل! المدينة بأكملها الآن "أرض مُقدَّسة" مُخصَّصة لله وشعبه.
ستتِم استعادة الشَرِكة التي لا تنقطِع والتي تمتَّع بها الله والإنسان في الجنَّة. سيذهب العار والخوف الذي جعل آدم وحواء الخاطئين يختبئان من الله. سوف ننظُر إلى وجه الله. سيستمتِع الشعب المُقدَّس بشَرِكة غير مُنقَطِعة مع الله القدُّوس.
في العهد القديم، ميَّز الله إسرائيل بصفتها "مملكة كهنة وأُمة مُقدَّسة"[4]. في سفر الرؤيا، الكنيسة هي "لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً"[5]. على عكس دولة إسرائيل، فإن هذه المملكة هي "جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ"[6]. سيتحقَّق الوعد الوارد في تكوين 12: 3 في رؤيا 7: 9.
مثلما كان بإمكان إسرائيل أن تُحقِّق رسالتها كمملكة كهنة فقط بالبقاء مُقدَّسة، هكذا يمكن للكنيسة أن تحقِّق رسالتها فقط إذا كانت مُقدَّسة. يجب أن يكون شعب الله مُقدَّسًا. في العهد القديم، كان اللاويون يلبسون كتَّانًا أبيض يرمُز إلى طهارتهم. بنفس الطريقة، يُبيِّن يوحنا أن القدِّيسين يجب أن يكونوا طاهرين.[7]فقط أولئك الذين "يغسلون ثيابهم" يمكنهم دخول المدينة.[8]شعب مُقدَّس سيسكُن في سلام مع الله القُدُّوس.
هل هذا يبدو مألوفًا؟ تسمع عِظة تتحدَّاك لتتعمُّق في القداسة. فتصلَّي وتلتزم بحياة القداسة. وخلال الأسابيع الثمانية التالية، تنمو في حياتك الروحيَّة، وترى ثمر الروح يزداد في حياتك، وتجد محبة أعمق لله وللقريب.
فجأة تصطدِم بالحائط. مازلت تسلك مع الله، لا تجد خطيَّة مقصودة في حياتك، تحب الله وتحب قريبك. لكن من خلال المرض الجسدي، أو الإجهاد العاطفي، أو حتى ضغوط الخدمة، تقول: "أنا لا أشعر أنني أنمو في القداسة. ما الخطأ؟"
كيف تستمِر في حياة القداسة وأنت لا تشعر بها؟ هل تستسلم وتقول: "القداسة مستحيلة"؟ هل تعود الى المذبح؟ كيف تستمر في السلوك في القداسة؟
◄ هل واجهت هذا التحدي؟ كيف تجاوبت معه؟
"عندما لا أشعر بأنني مُقدَّس، ينبغي أن أسير بالإيمان".
في الدرس الثاني، رأينا أن القداسة هي "السير مع الله". سار إبراهيم مع الله إلى بلد لم يره قط. سار مع الله في طاعة وإيمان. بعد أربعة آلاف سنة، لا زال من المثير جدًا أن تقرأ عن إيمان إبراهيم. لكن ضع نفسك مكانه – إذ تمشي يومًا بعد يوم بعد يوم في أرض وَعِرة. لا نهاية تلوح في الأُفُق، ولا تعرف حتى إلى أين أنت ذاهب. هل تعتقد أن إبراهيم كان يستيقظ كل صباح مُتحمِّسًا لهذا اليوم؟ لا أعتقد ذلك! أعتقد أنه كانت هناك أيام قال فيها: "لا أشعر بالرغبة في المشي اليوم". لكن إبراهيم استمر في السير مع الله.
نقرأ أن نوح "سار مع الله" في عالم خاطئ. كان نوح محاطًا بعبدة الأوثان وبأشخاص يبتكِرون باستمرار طُرقًا جديدة لفعل الشر،[1]وسار نوح مع الله. هل تعتقد أنه كان يستيقظ كل صباح وهو يشعر بالإثارة لذبك اليوم؟ أظن أنه شعر أحيانًا بالإرهاق والإحباط. لكن نوح استمر في السير مع الله.
أحد مفاتيح حياة القداسة هو أن نتذكَّر أننا قد خلُصنا بالنعمة بالإيمان. بالإيمان تقدَّسنا بالنعمة. كما نستمر في النمو في القداسة بالنعمة بالإيمان. يفهم بعض الناس أنهم ينالون الخلاص بالنعمة بالإيمان. بل ويتعلَّمون أنهم يتقدَّسون بالنعمة بالإيمان. لكنهم يقعون بعد ذلك في فخ الاعتقاد بأن النمو المُستمِر يعتمد على جهودهم الخاصة.
هل هناك انضباط في حياة القداسة؟ بالطبع! هل يجب أن نستمر في إماتة أعضاءنا "الَّتِي عَلَى الأَرْضِ"؟[2]نعم. هل يجب أن نستمر في أن "أَمْتد إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ" و "أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ"؟[3]بالطبع!
لكن يجب ألا تنسى أبدًا أن "إماتتك" و "امتدادك للأمام" و "سعيك نحو الهدف" يتم بقوة " اللهَ ... الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ"[4]. هو الذي أعطى الرغبة (الإرادة)؛ وهو الذي يعطي القوَّة (العمل). إنه يعمل فينا لتحقيق هدفه في جعلنا مُقدَّسين. عندما لا تشعر بأنك مُقدَّس، ارتَح في نعمة الله الذي يغيِّرك يوميًّا إلى صورته.
"عندما لا أشعر بالقداسة، يجب أن أرتاح في قداسته."
في الدرس الخامس، رأينا أن الكمال لا يتعلَّق بالأداء الخالي من العيوب، ولكن بالقلب غير المُنقسِم في التزامنا تجاه الله. في الدرس 7، تعلمنا أن وصيَّة يسوع، "كونوا كاملين" هي وصيَّة بالمحبة غير المُنقسِمة لله. الكمال المسيحي لا يتعلَّق بالأداء؛ بل بالحب.
نحن مُقدَّسون فقط لأن الله قدُّوس. هويتنا هي "في المسيح". هو الذي يجعلنا مُقدَّسين. إحدى حقائق الإنجيل العظيمة هي أننا لم نعد نصارع لتحقيق القداسة بقوتنا؛ يمكننا أن نرتاح في المسيح. تكمن هويتنا كمسيحيين، وهويتنا كقدِّيسين، وهويتنا كشعب مُقدَّس فيه.
حكى روبرت كولمان (Robert Coleman)، ذات مرة قصَّة عن معنى أن نحب الله تمامًا عندما لا نستطيع الأداء بشكل مثالي. كان الدكتور كولمان يعمل في حديقته في يوم صيفي حار. عندما رأى ابنه الصغير والده يتعرَّق في الشمس، قرَّر أن يُحضِر له كوبًا من الماء. التقط الصبي كوبًا مُتَّسِخًا وملأه بالماء من بِركة في الفِناء، وأحضره إلى والده. قال الدكتور كولمان: "كان الزجاج مُتَّسِخًا والمياه موحلة. لكن المشروب كان مثاليًّا لأنه جاء من قلب مُحِب". هذه صورة لكمالنا المحدود. نحن نُقدِّم خدمتنا المُحَطَّمة وغير الكاملة إلى الله الذي يقبلها لأنها تأتي من قلب مُحِب.
يقبل الله جهودنا المكسورة ويحوِّلها إلى شيء يتجاوز خيالنا - لأن قداستنا هي مجرد ظل لقداسته اللامحدودة. حتى أفضل حب لدينا يتأثَّر بقيودنا البشريَّة. لكن عندما نرتاح في قداسته، ندرك أن طاعة وصيته بـ "أن نكون قدِّيسين" تتم بشكل كامل فقط من خلاله. بقلوب الحب غير المُنقسِمة، نُقدِّم له كأس الماء الموحَل - وهو يحوله إلى شيء نقي ومتألِّق، قداستنا تكمُل في قداسته.
"عندما لا أشعر بأنني مُقدَّس، يجب أن أتذكَّر أنني جزء من شعب مُقدَّس."
الكنيسة هي موضوع رئيسي - ولكن غالبًا ما يتم تجاهله - في سفر الرؤيا. يبدأ سفر الرؤيا بسلسلة من الرسائل الموجَّهة إلى الكنائس السبع. تُظهِر هذه الرسائل أهميَّة مجتمع الكنيسة المَحلِّي داخل جسد المسيح الأكبر. لكن هذه ليست آخر مرة يشدِّد فيها سفر الرؤيا على الكنيسة.
قد يكون مجتمع المُخلَّصين البالغ عددهم 144000 شخصًا يمثل الكنيسة- جسد المسيح-[5]بأكملها. في موضع لاحق من السفر، يُنظَر إلى الكنيسة بصفتها عروس الحمل.[6]الكنيسة هي نقطة محوَريَّة في سفر الرؤيا.
إذا كان هذا صحيحًا، فإن عبادتنا وشركتنا ككنيسة على الأرض تُعدَّان لعبادتنا وشركتنا بصفتنا الكنيسة الأبديَّة. ماذا يعني هذا بالنسبة لحياتنا ككنيسة اليوم؟
إذا كان سفر الرؤيا صورة لعروس المسيح، فكيف يجب أن يؤثِّر تصويره للكنيسة على الحياة في الكنيسة؟ أو لنطرح السؤال بطريقة أخرى – ما هي النواحي التي تُشبه فيها كنيستك الكنيسة في سفر الرؤيا؟ وما هي النواحي التي لا تشبه فيها كنيستك الكنيسة في سفر الرؤيا؟
إحدى النتائج العمليَّة لهذه الحقيقة هي أن حياتنا المُقدَّسة نعيشها في شَركة مع الكنيسة. في العالم الحديث ذي النزعة الفرديَّة، يفكِّر الكثير من المسيحيين في الخلاص من منظور الاختبار الشخصي والخاص فقط.
ولكن، بينما توجد أمثلة لأفراد مثل أخنوخ يسيرون مع الله وحدهم، هناك أمثلة كتابيَّة أكثر عن أولاد الله الذين يسيرون مع الله كجزء من الجسد. كانت قوانين الطهارة في إسرائيل "لشعب الله"، كانت إسرائيل أكثر من مجرَّد مجموعة من الأفراد، لقد كانت كيانًا جماعيًّا ينمو معًا على صورة الله.
كانت كنيسة العهد الجديد أكثر من مجرد مجموعة أفراد ينتمون إلى نفس "النادي". كانت الكنيسة - ولا تزال - جسد المسيح. واجه القدِّيسون المذكورون في سفر الرؤيا الاستشهاد كجزء من الجسد. حتى عندما يموتون وحدهم، فإنهم يعرفون أنهم جزء من الكنيسة العامة. يعيش قديسو سفر الرؤيا حياة مُقدَّسة كجزء من الجسد. هم جزء من عروس نقيَّة. حتى عندما كان يوحنا معزولًا في جزيرة بطمُس، كان علم أنه جزء من الكنيسة العامة.
أصبح من الشائع أن نسمع الناس يقولون: "أنا أحب يسوع، لكنني لا أحب الكنيسة". هذا مبني على سوء فهم مأسوي للكنيسة! إذا كانت الكنيسة هي عروس المسيح، فلا بد أن أحب الكنيسة. (كزوج، لن أكون سعيدًا جدًا بشخص يقول لي، "أنا أحبك - لكني أحتقر زوجتك") الكنيسة هي جسد من المؤمنين الذين ينمون معًا على[7]صورة الله.
نحن لم نُخلَق لنعيش وحدنا. قال جون ويسلي: "كل قداسة هي قداسة اجتماعية". كان يقصد أننا ننمو كجزء من الجسد. كان هذا مصدر إلهام للروابط الميثوديَّة. فقد ساعدت على التحفيز على النمو من قِبَل كل عضو.
ماذا يعني هذا بالنسبة لنا اليوم؟ الشعب المُقدَّس جزء من الكنيسة المُقدَّسة. نحن ننمو في القداسة كجزء من الجسد المُقدَّس. عندما أجاهد، يجلب الله إلى جواري رفيقًا يسعى إلى القداسة بحيث يمكنه أن يشجِّعني في نقاط ضعفي. من ناحيَّة أخرى، عندما يساعدني الله في نقطة ما، يصبح بإمكاني أن أشجِّع أخًا أضعف. المقصود من حياة القداسة أن نحياها في مجتمع من المؤمنين المُمتلئين بالروح القدس الذين يُظهِرون محبة الله في عالمنا.
وبينما كان يشجِّع المسيحيين المُضطَهَدين على المثابرة في الإيمان، قال: "حفزوا بعضكم البعض" بينما تجتمعون معًا وتشجِّعون بعضكم البعض. تستخدم ترجمة الملك جيمس هذه العبارة: "حِثُّوا بعضكم على المحبة والعمل الصالح". يتمثَّل جزء من وظيفة الكنيسة في تشجيع كل عضو على محبة وقداسة أعمق.
عندما لا "تشعر بأنك مُقدَّس" اسمح لله أن يشجِّعك على المزيد من النمو من خلال الرِفاق المسيحيين في الجسد حيث وضعك. أنت جزء من "الكنيسة العامة" لكنك أيضًا جزء من جسد محلَّي. لقد وضعك الله هناك لسبب ما. اسمح لرِفاقك المؤمنين أن يدفعوك إلى نمو أعظم في حياة القداسة.
[5]رؤيا ٧: ٤-٨؛ 14: 1-5. يختلف المفسرون حول هوية الـ 144000. يرى البعض أن هذا الرقم هو تعداد فعلي لليهود الذين اهتدوا قبل أو أثناء الضيقة. يرى آخرون هذا كرمز للكنيسة. بغض النظر، هم الآن جزء من جسد المسيح الذي يتضمن "جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ." (رؤيا 7: 9).
عندما كانت فاني كروسبي (Fanny Crosby)[1]تبلغ من العمر شهرين، تسبَّب خطأ الطبيب في إصابتها بالعمى الدائم. بعد بضعة أشهر، تُوفِّي والدها. اضطرت والدتها إلى ترك الأسرة بمفردها لساعات طويلة أثناء عملها كخادمة؛ عرفت فاني صعوبات الحياة في عالم ملعون بالخطيَّة.
تشهد ترانيم فاني كروسبي على التزامها بالمسيح. لقد سلَّمت إرادتها بالكامل لمشيئة الله. بعبارة جميلة، صلَّت السيدة كروسبي أن تغرق إرادتها في مشيئة الله الكاملة.
قدِّسني الآن لخدمتك يا رب،
بقوَّة النعمة الإلهيَّة.
دع روحي تنظر برجاء ثابت،
وستغرق إرادتي فيك.
أدركت فاني كروسبي أن القداسة هي محبة كاملة لله ومحبة كاملة للقريب. أعطت الوقت والمال للإرساليَّات التي تخدم مدمني الكحول والمُشرَّدين. تخلَّت هي وزوجها عن كل ما لم يكن ضروريًّا لبقائهم على قيد الحياة. لقد أحبَّت الله وأحبَّت القريب. يومًا بعد يوم، نمت فاني كروسبي في تَشبُّهها بالمسيح والمحبة الكاملة.
تطلَّعت فاني إلى اليوم الذي سيَتِم فيه الوعد "وسَيَرون وجهه". عندما أعرب أحدهم عن شفقته على حالتها، ردت فاني كروسبي بأنها تبتهِج بعماها لأن "عندما أصل إلى السماء، فإن أول وجه سيُسعدني إلى الأبد سيكون وجه مخلِّصي؛ سأراه وجهاً لوجه".
[1]Image: "Francis Jane Crosby, 1820-1915" by W.J. Searle, retrieved from the Library of Congress Prints and Photographs Division, http://hdl.loc.gov/loc.pnp/cph.3b17084, "no known restrictions."
مُخلِّصي أولًا وقبل كل شيء - فاني كروسبي
عندما ينتهي عمل حياتي، وأجتاز المد المُتعجرِف،
عند الصباح المُشرِق والمجيد الذي سأراه.
سأعرف مُخلِّصي عندما أصل إلى الجانب الآخر،
وستكون ابتسامته أول ما يرحب بي.
عبر أبواب المدينة برداء أبيض ناصع،
سيقودني حيث لن تسقط الدموع على الإطلاق؛
في ترنيمة العصور السعيدة سوف أختلط بالبهجة.
لكنني أتوق لمقابلة مُخلِّصي أولاً وقبل كل شيء.
مراجعة الدرس 11
(1) القداسة هي شَركة مُتواصِلة مع الله.
(2) من تكوين 3 حتى الرسائل، يَعِد الله باستعادة الشَركة الحميمة بين الله والإنسان. يتحقَّق هذا الوعد في سفر الرؤيا.
(3) يُظهِر سفر الرؤيا شعبًا مُقدَّسًا في شَركة متواصلة مع إله قدُّوس.
(4) شَركة الكنيسة هي إعداد للشَركة في السماء. الكنيسة على الأرض هي نموذج (غير معصوم) للكنيسة الأبديَّة. لهذا السبب، يجب أن نسعى إلى تشكيل الحياة في الكنيسة هنا على نموذج وحدة الكنيسة هناك.
تكليفات خاصة بالدرس
(1) تخيَّل أن أحدهم قال لك: "أنا أحب يسوع، ولكن لا أحب الكنيسة". اكتب رسالة من صفحة إلى صفحتين تُظهِر فيها لهذا الشخص أن محبة يسوع يجب أن تؤدِّي إلى محبة عروس يسوع، الكنيسة. وضِّح كيف يُحفِّز القلب المُقدَّس على المحبة لكنيسة الله. وضِّح كيف أن كوننا جزءًا من الكنيسة سيساعدنا على النمو في القداسة.
(2) ابدأ الفصل الدراسي التالي باقتباس رؤيا 21: 2-3.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.